قصص

قصة فيلا الخواجة

قصة فيلا الخواجة  إوعى تتحرَّك من مكانَك “
” إوعى تخرُج برا المدرسة لحَد ما أجيلك “
” تُقعُد في فصلك.. تحل الواجِب لحَد ما أوصَل “
وغيرها من النصايِح اللي ماما كانِت لازِم تقولها لي كُل يوم على مدار سنيني الدراسية لحَد ما حفظتهم صم، في الأول.. كُنت بسمَع الكلام بشكل مفيهوش نقاش، ماما قالِت أعمل دا.. يبقى الموضوع مُنتهي ولازِم أعمله، لحَد ما كريم ظَهَر في حياتي..
كريم ظروفه هو كمان كانِت شبه ظروفي، والده ووالدته بيشتغلوا زي بابا وماما، والده بيتأخَّر في الشُغل زي بابا، ووالدته هي اللي بتيجي تاخدُه من المدرسة، بس للأسف.. كانِت بتيجي بعد حوالي نُص ساعة من ميعاد المرواح، بس على الأقل دي نُص ساعة، أنا ماما بتسيبني ساعة تقريبًا قبل ما تيجي تاخُدني..
طلبت منهم مرة يشتركوا لي في باص المدرسة عشان يوصلني البيت بدل ما بقعد في المدرسة مع كريم لوحدنا بعد المرواح، أو حتى ساعات بقعد لوحدي لو كريم مامته جت خدته بدري أو غاب أصلًا، بس هي قالتلي مينفعش.. لأن بمُنتهى البساطة هي وبابا في الشُغل فأنا حتى لو الباص روَّحني هعمل إيه؟
حاولت أقنعهم إن قعدتي على سلم البيت أرحم ميت مرة من قعدتي في الفصل أو في الحوش والمدرسة فاضية، خصوصًا يعني إن مدرستنا أساسًا كانت مبني قديم وإتحوِّل لمدرسة مؤخرًا، بس هما عارفين إن باب الأسانسير بايِظ وكانوا خايفين ألعَب فيه أو أقع من فوق..
وعلى الرغم من الملل والزهق اللي كُنت بحِس بيهم أنا وكريم، إلا إني يعني كُنت قادِر أستحمِل، خصوصًا إن كريم كان ساعات بيجيب كان بيبسي قديم ويطبَّقها ونلعب بيها كأنها كورة، وماما كانِت دايمًا بتزعّق وبتقولي إني كدا بقطَّع الجزمة بتاعتي، بس عادي بقي.. المُهم إننا بنتسلى لحَد ما ييجوا!
في يوم لاحِظت إن كريم زهقان، سألته مالك؟ قالي إنه زهق من المدرسة ومن لعب الكورة، سألته لو يجب نقعد نذاكِر أو نحل الواجِب سوا لحَد ما ماما أو مامته ييجوا قالي لأ، سألته أمال يحب نعمل إيه؟
وساعتها قالي الجُملة اللي غيَّرِت حياتي كُلها!
” الواد بهاء اللي في ٥/٤ بيقولِّي إن الدور التالِت مقفول عشان مسكون! “
سألته بمُنتهى الغباء: ” مسكون إزاي؟ فيه ناس ساكنة فيه يعني؟ “
ضحك على سذاجتي وهو بيقول: ” هو مسكون آه، بس مش ناس يا صاحبي! “
وطبعًا كان لازِم أسأله: ” يعني إيه؟ “
قعد على الدكَّة اللي أدامي وهو بيقول: ” إنت عارِف إن المدرسة دي أصلًا كانِت فيلا، بيقولوا بقى الفيلا دي بتاعة واحد خواجة.. أجنبي يعني، وكان جاي هنا هربان من بلدهم يا صاحبي، بيقولوا كمان إنه كان قاتِل كذا حد في بلدهم وجاي هنا هربان من البوليس، بس أرواح الناس اللي قتلهم جت هنا، إتَّحدِت مع بعض وبقت كيان شرير، قتله وفضل ساكِن الفيلا مستني أي حد يدنِّس حرمته عشان ينتقم منه “
سألته وأنا مش فاهِم: ” يعني إيه يدنِّس حرمته دي؟ “
قالي وهو بيهز كتفه: ” مش عارِف بقى.. هو بهاء بيقول قرا عن الموضوع على صفحة حد من اللي بيكتبوا رُعب على النت، وحكى للناس كُلها “
ساعتها كُنا في حوش المدرسة، بصيت للدور التالِت وأنا ببلَع ريقي بصعوبة، لمحت خيال أسود زي ما يكون خيال راجل رفيَّع واقِف في الشبَّاك، شهقت بخوف وأنا بشاور لفوق، بس على ما كريم بص كان الخيال اختفى وسط الضل جوا الأوضة، سألني: ” فيه إيه؟ “
كُنت هقولّه بس بعدين رجعت قُلت بلاش، هيقول عليَّا مجنون، ويمكِن بقول لبقية المدرسة ويتريقوا عليَّا، قُلتله وأنا باصِص لفوق: ” مفيش يا كريم، مفيش “
مامته جت بعد شوية خدته، سألتني على ماما وقُلتلها إن لسَّه أدامها حوالي نُص ساعة تقريبًا، طلبت مني أسلِّم عليها وخدت كريم وسابتني في المدرسة لوحدي!
دخلت قعدت في الفصل بتاعي، آخر فصل في الدور التاني، جنب السلم اللي بيطلَّع ناحية الدور التالِت، السلم كان محطوط عليه شوية دكك قديمة فوق بعض عشان تمنَع أي حد يطلَع فوق، حسيت بجسمي بيترعش، بس حاولت أتماسَك وأنا بقول لنفسي إن كُلها شوية وماما تيجي!
***
مع إننا كُنا في الشتا، بس فجأة درجة الحرارة قلَّت أوي، لدرجة إن جسمي بدأ يترعش من البرد، في الأول.. فكَّرت الدنيا هتمطَّر، بس لأ.. السما كانِت صافية والشمس طالعة عادي، قعدت على التختة بحل الواجِب، في الأول سمعتها.. غلَّطت نفسي وقُلت لأ مش مُمكِن، ضحكة شبه ضحكة كريم صاحبي بالظبط، بس لأ.. كريم مشى من شوية، وقفت على باب الفصل، بصيت يمين وشمال.. مفيش حاجة، بس قبل ما أدخُل الفصل سمعت صوته جاي من على السلم المضلِّم، من ورا الدِكك: ” تعالى يا صاحبي “
شهقت وأنا بهمس لنفسي: ” كريم؟ “
وزي ما يكون سامعني.. رد عليَّا: ” أيوا.. كريم، تعالى نطلَع الدور اللي فوق، ولا خايِف؟ “
قُلتله بدهشة: ” هو إنت مش مشيت مع والدتك؟ جيت تاني ليه؟ “
سمعت صوته بيهمس: ” ماما نسَت حاجة في الشُغل ورجعت تجيبها، قُلت آجي أقعُد معاك.. تعالي بقى! “
قلبي كان هيُقف من الخوف، جسمي كُله بيترعش من البرد، بصيت ناحية السلم، كان فيه خيال بيتحرَّك وسط الضلمة، وقبل ما أتحرَّك من مكاني سمعته بيقول بغضب: ” هتيجي ولا هقول للمدرسة كُلها إنك خوَّاف وجبان.. وإنت عارف لو عرفوا إنك جبان هيعملوا فيك إيه؟ “
كُنت عارِف.. مرة عرفوا إن محمد سليم بتاع ٣/٥ بيخاف من الصراصير، راحوا اشتروا صراصير بلاستيك وفضلوا يجروا وراه لحَد ما وقع من فوق السلم ورجله إتكسرِت، قرَّبت من السلم وشُفت الضل بيتحرَّك طالع لفوق، وصوت الهمس بيزيد وهو بيقول: ” تعالى! “
عديت من بين الحيطة والدِكك، وطلعت على السلم المترَّب ناحية الدور اللي فوق، كان شبه بقية الأدوار، ممر طويل مليان أوض يمين وشمال، اللي بقت دلوقتي فصول، سألته بصوت بيترعش: ” إنت فين؟ “
سمعت صوت همس بيقول من ورايا: ” أنا هنا! “
بصيت ورايا وقلبي هيُقف من الخوف، بس مكانش فيه حد، المرة دي رعشة صوتي زادِت وأنا بسأله: ” كريم.. إنت فين؟ “
سمعت الصوت من فوقي، كأنه ماشي على السقف، قالي: ” أنا هنا! “
بصيت فوق، وبرضه مكانش فيه حاجة المرة دي، ناديت عليه وأنا قلبي بيدُق بقوة: ” كريم.. إنت فين؟ “
المرة دي مردّش عليَّا، بس من جوا واحدة من الأوض إتشاطِت كان بيبسي مطبَّقة زي الكورة، وشُفت ضله على الأرض وهو بيقول: ” تعالى! تعالى يا عمرو! “
قربت من الأوضة اللي خرجت منها الكان وأنا بترعش، جسمي كُله بيتنفض، ببُص ورايا كأني خايف حد يهاجمني من ورا، وصلت باب الأوضة، الباب كان موارِب، زقيته بإيدي ولمحته واقِف جوا، أدام الشباك وضهره ليَّا، دخلت الأوضة وقبل ما أنطق بكلمة.. الباب إتقفل ورايا بمُنتهى القوة، لف وشه وبص في عينيَّا، هو كريم! بس فيه حاجة غلط! عينيه مش بتلمَع زي ما تكون مطفية! ابتسامته مُرعِبة وحاسِس إنها أكبر من الابتسامة الطبيعية! مد ايده ناحيتي وهو بيقول: ” قرَّبنا نخلَّص.. هات إيدك! “
مديت إيدي زي المسحور، حاسِس وكأني ماليش سيطرة على جسمي، بس دا مش كريم.. فيه حاجة غلط.. دا مش كريم.. قبل ما يلمس إيدي فُقت، رجعت لورا، قُلتله بخوف: ” إنت مش كريم! “
في اللحظة دي اختفى من أدامي، شبابيك الأوضة كُلها إتقفلِت بعُنف، لدرجة إن إزازها إتكسَّر، سمعت صوت خطوات غريب وكأن فيه ناس كتير في الأوضة بتجري من حواليَّا رغم إني مش شايف حد فيهم، الخطوات بتجري يمين.. شمال.. أدامي.. ورايا.. وقبل ما أفهم أي حاجة من اللي بتحصل، حسيت بإيده على كتفي.. قوية وناشفة، بصيت على إيده اللي ماسكة كتفي وشُفتها، كانت سودا.. طويلة.. ضوافره قذرة ومكسورة، وسمعت صوته بيقول: ” حاجة من إتنين.. يا أنا عجِّزت ومبقيتش قوي زي الأول.. يا إنت ذكي جدًا.. وفي الحالتين.. إنت بتاعي يا عمرو! “
نفسي إتقطع، مكُنتش قادِر آخد نفسي، حسيت إن هيُغمى عليَّا، بس في اللحظة دي سمعتها!
“عمــــــــــرو! إنت فين يا عمـــــــرو! “
ماما جت! بصيت ورايا ومكانش له أي أثر، جريت زي المجنون، نزلت تحت وإترميت في حضنها وأنا بصرَّخ وبحكي لها عن الشيطان اللي قابلته، هدّتني وقالتلي إن مفيش حاجة اسمها كدا.. دا بس أكيد عشان كُنت قاعِد لوحدي، دخلت الفصل أجيب شنطتي وخرجت بسُرعة، مسكت إيدها طول الطريق لحَد ما وصلنا البيت!
***
طلعت أوضتي من غير ما آكُل، جسمي كُله بيترعش، شاحِب ولوني مخطوف، ريقي ناشِف، ماما قالتلي أنها هتعملي حاجة سُخنة أشربها وأنام شوية عشان أبقى كويِّس، وبعد ما أصحى أبقى آكُل..
دقيقتين وسمعت خبط على الباب، بعدها بشوية سمعت الباب بيتفتح وماما بتدخُل، كانِت مُبتسِمة وهي بتقرَّب مني، قعدت على طرف سريري وهي بتمد إيدها ناحيتي، ابتسامتها وسعت، حسيت بشعر جسمي كُله بيقشعر بدون سبب مفهوم، فيه رعشة مشت في جسمي كُله، والعرق البارِد ملى جسمي، ساعتها عرفت إنها مش ماما، مدَّت إيدها ناحيتي وهي بتقول: ” هات إيدك يا عمرو! هات إيدك يا حبيبي! “
رجعت لورا بخوف وأنا بقول: ” إنتِ مش ماما، لأ.. لأ.. لأاااااا “
غمضت عينيَّا وسمعته وهو بيقول بصوت مُخيف: ” قُلتلك إنت بتاعي، بس إنت ذكي وأنا محتاج ذكائك دا.. مسيرك تبقى بتاعي.. لو مش النهاردة.. يبقي بُكرة! “
ماما دخلت الأوضة على صوت صريخي، وهو دا الفرق بينها وبينه، ماما عُمرها ما خبَّطِت على باب الأوضة قبل ما تدخُل، حضنتني وطمنتيني، لحَد ما رُحت في النوم في حضنها.
***
دي مكانِتش آخر مرة أقابله، قابلته بعدها كتير، في الأول كُنت بصرَّخ وبفرَّج عليَّا الناس، لحَد ما في المدرسة بعدوا عني وقالوا عليَّا عمرو المجنون، بابا وماما ودوني لدكتور نفسي وقالي إن بعاني من تهيؤات ووصف لي ليستة دوا كبيرة، الكُل بدأ يخاف مني ويبعد عني.. وبسببه لقيت نفسي لوحدي!
بعدها أخدت بالي من حاجة مُهِمة.. في كُل المرات اللي إتقابلنا فيها كُنت لوحدي، وكان بيختفي قبل ما حد يظهر، وكُل مرة كان بيطلب مني أمد له إيدي، لمَّا بقيت في ثانوي كُنت تعبت من نظرات ومُعاملة الناس ليا على إني مجنون، تعبت من الدوا اللي باخده عمَّال على بطَّال وأنا أصلًا مش مجنون!
فقرَّرت إن طالما كدا كدا هلعب اللعبة غصب عني.. يبقي هلعبها بقواعدي أنا!
بقيت بتجاهله تمامًا، لا ببُص ناحيته ولا برد عليه، في الأول الموضوع كان صعب، مُرهِق، ومُرعِب.. لكن واحدة واحدة قدرت أتجاهله، ساعتها بدأ يظهر لي وسط الناس ويكلمني ويضايقني.. طبعًا محدّش بيكون لا شايفه ولا سامعه غيري أنا وبس، وساعتها مكُنتش أقدر أتجاهله كتير فكُنت لازِم أول ما يظهر.. أسيب المكان وأمشي!
مش عايز أعمل حاجة كدا ولا كدا فيتقال عليَّا مجنون تاني!
وإتجوِّزت وخلِّفت.. وحياتي استقرَّت، بمرور الوقت ظهوره قل، مبقاش يزورني كتير، فين وفين لمَّا بييجي.. لسَّه بيقولي إني بتاعه، ولسَّه بيأكِّد ليَّا إنها مسألة وقت مش أكتر، ولسَّه بتجاهله تمامًا..
لحد إمبارح!
زيارته الأخيرة..
كُنت قاعِد بلعَب مع ابني في الصالة، شُفته بطرف عيني خارِج من الأوضة بتاعتي، مراتي كانِت بتزور والدتها وسايبانا لوحدنا شوية، تجاهلته، المرة دي كانِت مُختلفة.. ابتسامته واسعة، قالي: ” إنت بتاعي يا عمرو! مهما طال الزمن.. بتاعي! هات إيدك يا عمرو! “
شلت ابني وقُلتله: ” تعالى ننزل عند تيتا تحت “
بس بمُجرَّد ما قفلنا باب الشقة، ابني بصلي بخوف وهو بيقولي: ” بابا! أنا كمان شُفته وسمعته! أنا خايف! “
.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى